منتدى الابداع العربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الابداع العربي


 

 ظرة شرعية في فكر الدكتور محمد أركون بقلم الأستاذ سليمان بن صالح الخراشي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ahmed
نائب المدير
نائب المدير
ahmed


عدد المساهمات : 225
النشاط : 0
تاريخ التسجيل : 19/06/2010
العمر : 36

ظرة شرعية في فكر الدكتور محمد أركون بقلم الأستاذ سليمان بن صالح الخراشي  Empty
مُساهمةموضوع: ظرة شرعية في فكر الدكتور محمد أركون بقلم الأستاذ سليمان بن صالح الخراشي    ظرة شرعية في فكر الدكتور محمد أركون بقلم الأستاذ سليمان بن صالح الخراشي  Emptyالسبت ديسمبر 11, 2010 10:11 pm

نظرة شرعية في فكر الدكتور محمد أركون بقلم الأستاذ سليمان بن صالح الخراشي



قال الأستاذ عبد السلام بسيوني في كتابه (العقلانية: هداية أم غواية؟) عن أركون "جزائري من مواليد 1928، أتم دراسته بباريس 1955 وحصل على الدكتوراه من السربون 1969 حول الإنسية العربية في القرن الرابع الهجري، وحاضر بالعديد من الجامعات الفرنسية والعربية.
معظم مؤلفاته بالفرنسية، وهو علماني يدعو إلى التعامل مع الإسلام –والقرآن والسنة بالذات- بالمقاييس الغربية وبالاستفادة من المعطيات التي خلفها ماركس ونيتشه وغيرهما، ويعتبر الدين الذي ينتهجه الناس مجموعة من المعطيات البطريركية التي خلفها الفقهاء وأسبغوا عليها صبغة القداسة.
ومن آرائه أيضاً أن مفهوم الدين لم يبلور بلورة كافية للقيام بقفزه نظرية لا نتردد معها أن نجزم بأن الأديان ما هي إلا أيديولوجيات (مجلة الوحدة: العدد 6-1985).
وأن المحتويات العلمانية التقديرية للفكر الإسلامي التقليدي ستبقى في غير متناولنا ما دمنا نريد البقاء متشبثين بإسلام لا يعدو أن يكون ديناً يأمر ويسجن العالم أجمع، ويرى الاتجاه إلى إقصاء جميع الخطب الأيديولوجية والتبريد الشرعي لمختلف إرادات القوة التي يشكل الاصطدام بها تاريخنا الماضي والحاضر(!!) الذي هو مجرد تاريخ أسطوري (!!) لا يزال يحكمنا إلى اليوم (المجتمع العالمي-1978) ويناقش –راداً- بعض نصوص القرآن المتعلقة بالمرأة معتبراً إياها شكلاً من أشكال التخسيس والزراية.
وننقل –للإيضاح- جزءاً من حوارٍ أجرته معه مجلة "لونوفيل أبسرفاتور" الفرنسية Nouvel Observateur فبراير 1986، يعكس جزءاً من طريقته في التفكير الذي يعتمد القفز والمغالطات واستغفال القارئ من خلال مصطلحات "خواجاتية" يحاول أن يخضع لها الفكر الإسلامي فيقول:
المجلة : باسم القرآن تقطع أياد، ترجم نساء، يفرض الحجاب، تقام حروب مقدسة.

##@##
أركون: هذه الأفعال تقام باسم القرآن ولكنها في الواقع خيانة له:
Ces acts sont commis au nom du Coran, mais ils en sont la trahison
وإن السلطات السياسية (!!) تفسر النص القرآني بمفهومها الخاص. أما النص نفسه فهو مغطى، محرف أو منسيّ.
مثلاً في تعدد الزوجات، ماذا يقول القرآن، يمكنك أن تنكح اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً من النساء.. نعم، لكن: ماذا تقول بقية الآية؟ على شرط أن تعدل بينهن، العدل هنا لا يعني أن يكون لديهن نفس المتاع، لكن كذلك نفس الحنان والحب بالضبط، وتقول السورة: إذا لم تستطع أن تكون عادلاً فلك واحدة فقط، لكن من المستحيل أن يكون الإنسان عادلاً، فإذا القراءة المتأنية للقرآن لا يمكن أن تؤدي إلا إلى منع تعدد الزوجات (!!).
نفس الشيء يمكن أن يقال بخصوص قضايا أخرى. رمضان مثلاً: في يوم من الأيام دعا الرئيس بورقيبة أصدقاءه إلى تناول الطعام في رمضان، كل الناس صدموا وقتها، لكن قال لهم: إن النبي نفسه دعا صحابته إلى الأكل والشراب في رمضان. نعم هذا الاستثناء كان وقت حرب، ولكن نحن كذلك في حرب ضد التخلف. فكما ترين: القرآن تتوجب إعادة قراءته.. والتفكير فيه بشيء مختلف (!!)

المجلة: لكن هناك أشياء النص فيه واضح.
##@##
أركون: بالعقل القرآن يقول: (للذكر مثل حظ الأنثيين) في مثل هذه الحالة الحسابية لا يمكن فعل أي شيء إلا إعادة طرح مسألة التفسير القرآني. لا يمكننا أن نستمر في قبول ألا يكون للمرأة قسمة عادلة (!!)

فعندما يستحيل تكيف النص مع العالم الحالي.
عندما يكون علانيةً منبثقاً عن وضع اجتماعي لا يتناسب في شيء مع عالمنا الحاضر.
ينبغي العمل على تغييره.
إن التفسير يبقى دائماً جائزاً بشرط أن يعاد في مسألة التنـزيل على ضوء التاريخانية.
الحجاب مثلاً –ككل ما يمت إلى الجنس وإلى وضع المرأة في الإسلام- ينتمي لقانون عربي سابق على الإسلام.
الإسلام صادق على تقاليد قديمة متعلقة بأسس قبلية، وأعطاها بعداً مقدساً (!!)
ويتعلق الأمر اليوم بإعادة التفكير في هذه المفاهيم على ضوء التاريخ.
وللأسف فإن هذا العمل في بدايته في الإسلام.. بحكم سيطرة الأيديولوجيا (انظر دراسة محمد بريش عن أركون، مجلة الهدى-1985)ومن آراء أركون رفضه للإسلام نظام حكم لأنه لم يكن كذلك لا تاريخياً ولا عقائدياً!!) ا.هـ كلام الأستاذ عبد السلام بسيوني (ص 126-128) (وانظر كتابه الآخر: اليسار الإسلامي خنجر في ظهر الإسلام، ص 38 وما بعدها)
##وقال الدكتور مفرح القوسي عنه: "الدكتور محمد أركون([1]): أحد كبار العلمانيين الداعين إلى التعامل مع الإسلام –كتاباً وسنة بوجه خاص- بالمقاييس بالغربية، تجنى كثيراً في كتاباته واللقاءات العديدة التي أُجريت معه على السلف ومنهجهم. فهو –مثلاً- يتهم المنهج السلفي بأنه منهج أسطوري لا تاريخي مغرق في التجريد والمثالية، فنراه يقول تحت عنوان (الرؤية الإسلامية التقليدية): "إليكم كيف يلخص المفكر الحنبلي ابن تيمية هذه الرؤية كما فرضت نفسها انطلاقاً من القرن التاسع: (فهذه الطبقة –صحابة النبي- كان لها قوة الحفظ والفهم والفقه في الدين والبصر والتأويل، ففجرت من النصوص أنهار العلوم، واستنبطت منها كنوزها، ورزقت فيها فهماً خاصاً…، فهذا الفهم هو بمنـزلة الكلأ والعشب الذي أنبتته الأرض الطيبة، وهو الذي تميزت به هذه الطبقة عن الطبقة الثانية، وهي التي حفظت النصوص، فكان همها حفظها وضبطها، فوردها الناس وتلقوها بالقبول، واستنبطوا منها واستخرجوا كنوزها) ([2])، ويعلق أركون على ذلك بقوله مباشرة: "يتضح أكثر ما يتضح كيف يحذف تمجيد الجيل –الصحابي- الذي شاهد الوحي، يحذف المنظور التاريخي من الناحية العملية، فكل الحقيقة التي يمكن معرفتها، وكل التعاليم السنية في الإسلام، وكل نماذج السلوك الديني المحتذاة، ونماذج العمل الإنساني والتنظيم السياسي الاجتماعي، كل ذلك يتركز ويتحدد غاية التحديد في عصر التأسيس؛ في النصوص، الينابيع، النماذج (القرآن، الأحاديث النبوية المسماة سنة)، وهي مفهومة فهماً مثالياً وتحظى بتفسير الصحابة البارع، ثم إنها قد جُمعت ونُقلت بأمانة دقيقة من قبل التابعين وأجيال الفقهاء الورعين اللاحقين. وهذه السلسلة المتصلة من الشاهدين الذين لا يطالهم لوم؛ تجعل من الجائز أن يكون هناك مفهوماً إسلامياً صحيحاً معروفاً منذ أصوله، ومستمراً بواسطة المؤمنين ضد الانحرافات والالتواءات والتشوهات التي أقحمتها الفرق المبتدعة عبر العصور. وبالاستناد إلى حديث يُذكر دائماً أن محمداً نفسه قد أعلن أن أمته ستُقسم إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة ناجية؛ لأنها هي التي اتبعت سنته بحذافيرها، أي: كل تعاليمه وكل ممارساته،
وهذه الجماعة من المؤمنين الحقيقيين تسمى (أهل السنة والجماعة). ومثلما يحدث في جميع الحركات الأيديولوجية الكبرى نهضت عدة جماعات في وجه المسلمين السنيين؛ احتجاجاً على دعواهم الانفراد بالإسلام الحقيقي والعمل على استمراره، ومن الجدير بالذكر أن نشير إلى أن كل فرقة تعلن عن نفسها أنها وحدها التي تستأثر بالسنة، ولكنها كلها تقيم الصلة ذاتها بعصر التأسيس، وذلك بوضع المصادرات التالية موضع التنفيذ:
أ‌-أن الوحي القرآني يشتمل على كل ما ينبغي على الإنسان أن يعرفه حول مصيره الخاص وحول الآخرة والتاريخ والعالم والله.
ب‌-لقد أبان محمد بقوله وعمله المعنى الدقيق للوحي، وأن حياته تؤلف على هذا النحو الأنموذج الكامل، الذي يترتب على كل مؤمن أن يسعى لمحاكاته.
ج‌-أن حياة محمد وتعليمه يمكن أن يُعرفا عن طريق الرواية التي لا ينالها الشك، مما قام به الصحابة والتابعون والفقهاء. ومما يلاحظ أن الخلاف يتناول دروب الرواية والوضع الأخلاقي الديني للرواة، ولكنه لا يمس نماذج الرواية ولا تقنيتها (سلسلة الإسناد). وإن الفرق كافة تستعمل إذن النشاط الذي يضفي الأسطورية على الماضي، وتمارس عمل الإسقاط ذاته لمفاهيم شتى، وأوضاع تاريخية متغيرة على لائحة الدلالات المثالية التي أقيمت في ذلك الوقت.
د‌-أن قيمة السلوك الإنساني، وبوجه أعم قيمة النمو التاريخي للشعوب بعد سنة 632 (سنة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم) إنما تتبع بدقة وظيفة ترسخها في النصوص- الينابيع- النماذج، وفي الأشكال الرمزية المثالية (النبي، الصحابة، الأئمة)، وكل ابتعاد عن هذه النماذج لا يُعاش ولا يُطرح إلا بوصفه ضلالاً وانحطاطاً يصيب الأمة" ([3]).
##@@ويقول مؤكداً تهمة (اللا تاريخية) في المنهج السلفي: "إن الطريقة التي أجاب بها الإصلاحيون السلفيون عن الواقع التاريخي كانت تتضمن نظرة أسطورية تجاه أصول الإسلام أكثر من كونها نظرة تاريخية، وذلك لأن الإصلاحيين زعموا أن الإسلام الأولي بإمكانه أن يحل مشاكل القرن التاسع عشر، وأن يواجه تغلغل الحداثة الاقتصادية والسياسية التي سبقتها في أوروبا ثورات وتجارب ديمقراطية وبرلمانية، وأيضاً تغلغل الحداثة الفكرية التي سبقتها في أوروبا أيضاً وفي القرن نفسه حركات علمية ضخمة. هذا كان عبارة عن وقائع تاريخية إيجابية، ولمواجهتها أراد المسلمون أن يقدموا إجابات من نوع أسطوري وليس تاريخياً"([4])، ويقول: "أعتبر الموقف السلفي موقفاً ميتولوجياً، وذلك لكونه يريد العودة إلى ماضٍ موصوف بالمثالية"([5])، ويقول أيضاً: "إن صورة الإسلام في قرنه الأول للهجرة –وهي الصورة التي تناقلتها الحركات الإسلامية- ليست صورة تاريخية وإنما أسطورية"([6])، ويقول كذلك: "إن المسلمين ظلوا متعلقين بتصور هو أقرب إلى الأسطورية فيما يتصل ببواكير الإسلام، وإن الأسطورة هي أحد طرق التعبير عن الحقائق الإسلامية لدى الجماعات الإسلامية"([7]).
ولذا نجده يدعو إلى إعادة قراءة وتشكيل الفكر والتاريخ الإسلامي مما يتعلق بالحوادث والأشخاص خلال القرنين الهجريين الأولين([8]).
##@##
##ولما سُئل: هل يوجد إسلام واحد صحيح مصير أصحابه الجنة، وأن بقية الفرق الأخرى في النار؟ .
أجاب : "هذا التصور رسخته الأدبيات البدعية (أي كتب الفرق الإسلامية وكتب الملل والنحل)، ومعظم الجهد الذي أقوم به الآن يتمثل في تجاوز هذه الأدبيات والخروج من موقعها الإيديولوجي الذي يخلع على نفسه غطاء الشرعية التيولوجية (أي اللاهوتية الإسلامية) دون أي حق أو برهان.. إن القول أن هناك حقيقة إسلامية مثالية وجوهرية مستمرة على مدار التاريخ وحتى اليوم ليس إلا وهماً أسطورياً لا علاقة له بالحقيقة والواقع… وسوف تنـزاح الغشاوات عن عيون الناس وتسقط الأوهام الكبرى الشائعة التي تملأ وعي المسلمين بخصوص تاريخهم، فهم يتوهمون أن الإسلام السني كان موجوداً منذ البداية وعلى مستوى لحظة القرآن والخطاب القرآني، ولكن ذلك ليس إلا وهماً وسراباً…وأنا كمؤرخ نقدي يفتح عينيه جيداً لن أصدق هذا الزعم، لأني لو صدقته لما كنتُ مؤرخاً أو باحثاً، ولأصبحت عقائدياً متحيزاً"([9]).
وينظر أركون إلى "الوحي" و"الحقائق الإسلامية الغيبية" و"الأصول التشريعية" نظرة بُعْديّة؛ منفلتة من مشاعر الاحترام والتقدير التي يحملها المسلم بداهة لكل ما يمس دينه ومعتقده. من ذلك –على سبيل المثال- قوله : "إن الفكر الإسلامي لا يمكنه أن يتهرب طويلاً، إن فعل الإيمان "الأرثوذوكسي" الأصيل الذي يصلح دوماً؛ يقوم على التأكيد بأن الدين يرتكز على الوحي الذي أنزله الله على الناس بواسطة الأنبياء، وبالتالي فإن الدين فوق المجتمع، ولكن الواقع العلمي الحديث ينـزع إلى فرض الفكرة بأن الدين كله في المجتمع ومن المجتمع. الله بذاته بحاجة إلى شهادة الإنسان له"([10]).
ومن ذلك: اعتقاده بأنه لكي نفهم ما سماه (الحادث القرآني) ([11]) وآثاره على الفكر العربي الإسلامي لابد –في نظره- من تحقيق "التاريخ الانتقادي للقرآن الكريم"، والذي –كما يقول- ليس "سوى إعادة بناء المجموع الصحيح لجميع النصوص التي نزلت على محمد باسم التنـزيل والوحي"([12]).
ومن ذلك أيضاً: ادعاؤه أن الحديث النبوي لم يصبح مصدراً ثانياً للتشريع بعد القرآن إلا بعد وضع الإمام الشافعي أصول الفقه ودّون أسسه في القرن الثاني الهجري([13]).
ومن ذلك أيضاً: قوله عن تحديد الإمام الشافعي في كتابه (الرسالة) لمصادر التشريع الإسلامي بأنها: الكتاب والسنة والإجماع والقياس؛ قوله عن هذا التحديد بأنه: "الحيلة الكبرى التي أتاحت شيوع ذلك الوهم الكبير بأن الشريعة ذات أصل إلهي"([14]).
ومن ذلك كذلك : قوله عن قاعدة الإجماع في أصول الفقه الإسلامي بأنها: بمثابة وجه آخر للقهر الفكري في التراث الإسلامي([15]) .

ويصم أركون الحنابلة السلفيين –ولا سيما الإمامين أحمد بن حنبل وابن تيمية- بالتزمت واستعمال العقل استعمالاً أسطورياً([16])، وبالإلحاف على وجوب الإقرار بأركان الإيمان دون التساؤل عن براهينها([17]). ويدعي أن الإمام الشافعي في كتابه (الرسالة) "قد أسهم في سجن العقل الإسلامي داخل أسوار منهجية معينة؛ سوف تمارس دورها على هيئة استراتيجية لإلغاء التاريخية"([18])، ويقول عن الإمام الطبري: "الطبري عندما كان يقول: يقول الله، ثم يُعطي تفسيره وكأنه مطابق تماماً لقول الله أو لمقصد الله، فإنه لم يكن يعرف أنه يتلاعب من غير وعي منه بالأنظمة التيولوجية"([19]).
ويشن أركون هجوماً عنيفاً على الفقهاء والمفسرين، ويكيل لهم العديد من السباب والشتائم مما لا يتفق بحال مع الطابع التاريخي العلمي الموضوعي الذي يدّعي تقمصه في أبحاثه وكتاباته، ومن ذلك على سبيل المثال قوله: "الشيء الذي ينبغي أن يحظى باهتمامنا هنا وينبغي التركيز عليه هو ذلك الزعم المفرط والغرور المتبجح الذي يدّعيه الفقهاء بأنهم قادرون على التّماس المباشر بكلام الله([20])، وقادرون على الفهم المطابق لمقاصده العليا ثم توضيحها وبلورتها في القانون الديني"([21])،
##
وقوله –واصماً إياهم بصفة (الانتهازية)-: "سوف نرى فيما بعد أن انتهازية المشرعين تصبح أكثر وضوحاً وجلاء عندما يتنطعون لتعيين الآيات الناسخة والمنسوخة"([22]). ويدعي أن الفقهاء كانوا يعتمدون في صدر الإسلام على آرائهم الشخصية في تقريرهم الأحكام الفقهية فيما يتعلق بالأحداث والوقائع المستجدة، ثم يُضفوا (يُسبغوا) عليها الصفة الشرعية([23]). ويتهمهم بالتلاعب بالآيات القرآنية، فيقول: "إن المشرعين من البشر (أي الفقهاء) قد سمحوا لأنفسهم بالتلاعب بالآيات القرآنية من أجل تشكيل علم للتوريث يتناسب مع الإكراهات والقيود الاجتماعية الاقتصادية الخاصة بالمجتمعات التي اشتغل فيها الفقهاء الأوائل"([24]).
ويُصرُّ في معظم كتبه على وصف منهجهم بـ (الأرثوذكسية) الذي يعني –في نظره- الجمود والانغلاق الفكري؛ وفرض تفسيرهم لنصوص الكتاب والسنة بالقسر والقوة وعده التفسير الوحيد الصحيح المستقيم، وما عداه هرطقة وضلالاً. ويدعي أنهم يمارسون رقابة أيديولوجية صارمة على كل الفئات الاجتماعية وعلى كل مستويات الثقافة في البلاد الإسلامية، مما حد كثيراً من حرية البحث والتعبير، وأدى بالتالي إلى تأخر الفكر الإسلامي([25]).
ويمتدح –في المقابل- المستشرقين، ويطري مناهجهم في دراسة الإسلام، ويدعي أن الاستشراق الآن "هو وحده الذي يؤدي إلى تقدم الدراسات في مجال الثقافة الإسلامية والفكر العربي، كما كان عليه الحال أيام غولدزيهر وجوزيف شاخت"([26]).
كما يمتدح علي عبد الرازق على ما أورده في كتابه (الإسلام وأصول الحكم)، ويدعي أنه لم يكن للخلافة الإسلامية أساس ديني، وأنها صنعت لنفسها وجهاً دينياً بواسطة الفقهاء([27])، ويدعو إلى تطبيق العلمانية وممارستها في البلاد الإسلامية، بحجة أنها أصبحت ضرورة ملحة لهذه البلاد في وقتنا الراهن([28])، وينكر على السلفيين قولهم أن "الإسلام دين ودولة"، واصفاً منهجهم بأنه منهج وثوقي (دوغمائي)، لأنه –في نظره- يفرض موقفاً من دون تحليله فكرياً وتبريره بدراسة تاريخية([29])". انتهى كلام الدكتور مفرح القوسي –وفقه الله-.
وقال الأستاذ محمد بن حامد الأحمري في مقال بعنوان ( محمد أركون ومعالم من أفكاره ) نشره في مجلة البيان ( عدد 35 ) :
"تطورت في عصرنا هذا وسائل الدعاية لكل شيء بمقدار لم يسبق له مثيل، هذه الدعاية في قضايا الكماليات ووسائل الراحة قد تكون معقولة إلى حد ما، لكن الغريب من أصناف هذه الدعاية، الدعاية الفكرية لعامة الكتاب والشعراء والروائيين إلى درجة تدفع إلى السأم وعدم الثقة بأي شيء يشتهر من كتاب أو كاتب أو صحيفة، فيجعلك هذا لا تثق بالشهرة لأي عمل، إذ قد يكون في غاية الرداءة والفساد لكن جيوش الإعلام والترويج تحاصرك حتى تفقد بصيرتك. وقد حاصرتنا الدعاية في زماننا ورفعت في وجوهنا مجموعة من الكتاب والمفكرين والأدباء، وألصقتهم في وجوه ثقافتنا كرها، وألزمتنا بهم وحاصرتنا كتبهم في كل زاوية، وليس هذا الحصار فقط بين العرب، بل لقد شكت إحدى المستشرقات وقالت : إن أدونيس لم يقل شيئاً ولكن اللوبي الأدونيسي هو الذي أعطاه الأهميةً! هذا الجيش الدعائي من وراء كتاب صغار أو مغالطين كبار هو الذي أعطاهم أهمية كبرى في عالم الكتاب العربي.

****قال أحد القراء: لقد رأيت كتب أركون ولفت انتباهي الدعاية الكبيرة لها، فذهبت مع القوم واشتريت منها وقرأت الأول والثاني فما أحسست بفائدة ولا ساعدني الفهم، وقلت: كاتب متعب، ولكن زادت الدعاية للرجل فقلت في نفسي: النقص في قدرتي على الدراسة والفهم، وسكت وخشيت أن أقول لأحد: لا أفهمه، حتى إذا كان ذات يوم جلست إلى قارئ وكاتب قدير وتناول كتاب "تاريخية الفكر العربي الإسلامي" وقال: لقد حاولت أن أفهم هذا الكاتب أركون فما استطعت، فكأنما أفرج عني من سجن وقلت: رحمك الله أين أنت فقد كنت أبحث عن قارئ له يعطيني فيه رأياً، لا الذين أكثروا من الدعاية له دون دراية.
وحتى لا تضر بنا المبالغة في هذا إليك نموذجاً للدعاية الأركونية: علق هاشم صالح مترجم أركون إلى العربية في آخر كتاب "الفكر الإسلامي نقد واجتهاد" يقول هاشم: بعد أن تركت محمد أركون رحت أفكر في حجم المعركة التي يخوضها بكل ملابساتها وتفاعلاتها، وهالني الأمر فكلما توهمت أن حدودها قد أصبحت واضحة محصورة، كلما اكتشفت أنها متشابكة معقدة، شبه لانهائية. هناك شيء واحد مؤكد على أي حال: هو أن محمد أركون يخوض المعركة على جبهتين: جبهة الداخل، وجبهة الخارج، جبهة أصوليي المسلمين، وجبهة أصوليي المستشرقين:
وسوى الروم خلف ظهرك روم فعلى أي جانبيك تميل([30])؟

هذا مثل مما يفعل هذا المترجم، وقد يفاجئك مراراً بالمدح في وسط الكتاب أو في المقدمة أو في الهامش([31]) أو في لقاءاته مع أركون التي تمثل جزءاً كبيراً من أعماله، فهذه طريقة في الكتابة جديدة إذ يجري المترجم حواراً حول أفكار أركون بعد كل فصل أو في آخر الكتاب كما في "الفكر الإسلامي قراءة علمية"، أو "الفكر الإسلامي نقد واجتهاد".
أثناء قراءة أعمال أركون قد تصادفه ينقد مدرسة عقائدية أو فقهية، ويحاول أن يقول إنها خرافة، وأسطورة دغمائية كما يحلو له أن يكرر، وتقول: لعله ينصر المدرسة الأخرى، فهو إما شيعي أو خارجي، ثم يخرج عليك في صفحة أخرى وهو يعرض بعدم معقولية فكرة الإمامة لدى الشيعة([32])، ثم في مكان آخر لايتفق مع الإسلام السني المتزمت في نظره([33]) علماً أن السني عنده هم الأشاعرة، وأما أحمد وابن تيمية فيدعوهما حنابلة متزمتين. وتحاول جاهداً أن تقف تماماً على مايريد فإذا هو متناقض لا يؤمن بشيء ولا يرى أن لهذا العلم أو التراث الإسلامي أي مكانة إلا في عين المدارس النقدية الغربية، فما أقرته فهو الحق والمحترم –كنص للدراسة ليس أكثر من نص بشري قابل للأخذ والعطاء –وما لا تقره المكتشفات الأسلوبية اللغوية الاجتماعية والنفسية المعاصرة فإنه لا يرى إقراره والاهتمام به لقدمه وتخلفه عن العصر.
ولعل كتاب "الفكر العربي" أول كتبه المترجمة إلى العربية وفيه تلخيص غامض لجل ما قال في الكتب الأخرى، وأشار فيه بكثير من التحفظ إلى آرائه في القرآن والسنة والشيعة والحداثة والتجديد.
عند أركون أهداف واضحة لمن يستقرئ أعماله ويصبر على التزوير والمراوغة واللعب بالكلمات في غير معانيها حتى يحصل على هدفه الكبير من كل مشروعه وسيأتي بيان الهدف بعد ذكر وسائله إليه.

##
##الوسائل :
أول وسائله نقد الكتاب الإسلاميين الذين ليست لهم صلة بالمدارس الغربية في الفكر، والذين ليس لهم إلمام بعلوم اللسانيات والاجتماع والنفس والنظريات التي خرجت –فيما يرى –بعد الخمسينات من هذا القرن الميلادي، وبالتالي يطالبهم بالمشاركة والدراسة لمستجدات النظريات الإنسانية الغربية، ثم هو يستخدم نظريات ميشيل فوكوه في مسائل المعرفة والسلطة، ويرى تاريخية المعرفة وبكونها قابلة للتغيير والتطوير والشمول، وأهم جوانب المعرفة التي يتحدث عنها المعرفة الدينية بكل أبعادها، ويرى اعتبار المعرفة الإسلامية نموذجاً أسطورياً يزعج المسلمين ويهز إيمانهم، ولكن لابد –كما يرى –من بناء مفاهيم جديدة مستمدة من الاحتياجات الجديدة كما فعل السلف، ويرى أن هناك مناطق عديدة في الفكر الإسلامي لا تمس ولا يفكر فيها مثل مسألة عثمان –رضي الله عنه-وقضايا جمع القرآن، والتسليم بصحة أحاديث البخاري والموافقة على الأصول التي بناها الشافعي، ويرى أنه يضع أساساً للاجتهاد وعقلانية جديدة([34])، وهو يرى أن الوعي الإسلامي قد انشق فيما بين السنة والشيعة، والوسيلة عنده ليست بالتوفيق بين الجانبين ولا الانتقاء منهما إنما الوسيلة نقد الطرفين وهو يعتنق "النقدية الجذرية" للطرفين وإسقاط كل الحجج التي بأيدي الجميع، وبالتالي فإن النص السني مغلوط ومزور والنص الشيعي نص العدالة والعصمة مغلوط ومزور وأسطوري، والمطلوب أن يتحرر كل من الفريقين من نصه فيتوحدان([35]).


##
####
الأهداف :
من أهم ما يهدف له أركون في كتاباته المكررة والمملة نزع الثقة من القرآن الكريم وقداسته واعتباره نصاً اسطورياً([36]) قابلاً للدراسة والأخذ والرد. وهو يغالط كثيراً في معنى كلمة "أسطورة" ويقول : إنه يعاني من صعوبة هذه الكلمة على أسماع العرب الذين يربطون بين هذه الكلمة وبين الأكذوبة أو الخرافة، لكن ما هي الكلمة التي يستخدمها أركون في تعبيره عن القرآن باللغة الفرنسية التي يكتب كل كتبه بها.
إنه استخدم كلمة MYTHE وبالإنجليزية MYTH وكلتا الكلمتين تعني الخرافة أو الحكاية والكلمتان جاءتا من الكلمة الإغريقية MUTHIOS وهي تعني في جميع اللغات الأوربية حكاية خرافية شعبية تتحدث عن كائنات تجسد –بصورة رمزية –قوى الطبيعة والوضع الإنساني([37]).
ثم إذا سلم بهذه الأسطورة –بزعمه –فإنها أولاً لم تصلنا بسند مقطوع الصحة، لأن القرآن –كما يقول –لم يكتب كله في حياة الرسول –صلى الله عليه وسلم –بل كتب بعض الآيات ثم استكمل العمل في كتابة القرآن فيما بعد([38]) وهذه من المغالطات التي يسوقها أركون بكل سهولة ويخلط فيها مابين قضية الجمع وقضية الكتابة، وبزعم أن الظروف السياسية هي التي جعلت المسلمين يحافظون فقط على قرآن واحد ويتركون ماعداه([39]).
ومن أجل أن يمهد لما يريد من إنكار القرآن سنداً في أول الأمر يدخل بعد ذلك إلى نصوص القرآن فيشكك في القصص والأخبار ويرى أن التاريخ الواقعي المحسوس هو الذي يحاكم إليه القرآن، فالأخبار والآثار التاريخية هي الموثوقة‍‍‍‍! ولنقرأ له هذا النص الذي يجد القارئ في كتبه كثيراً مثله يقول:
"ينبغي القيام بنقد تاريخي لتحديد أنواع الخلط والحذف والإضافة والمغالطات التاريخية التي أحدثتها الروايات القرآنية بالقياس إلى معطيات التاريخ الواقعي المحسوس"([40])

##@##
ويرى أن القرآن عمل أدبي لم يدرس كما يجب إلا من قبل ندرة أهمهم عنده "محمد أحمد خلف الله" عندما كتب عن القصص الفني في القرآن وقال إن القصة القرآنية مفتعلة، ويتحسر على عدم استمرار "خلف الله" ويذكر أن الأسباب التي لم تمكن "خلف الله" في عمله أنه راعى الموقف الإسلامي الإيماني أولاً، وثانياً لنقص المعلومات. إذن فقد آل الأمر إلى أركون الذي سيهاجم القرآن، لأنه لا يراعي الموقف الإسلامي الإيماني لأنه مطلع على الأبحاث الجارية. ومع زعمه أنه يعرف الأبحاث الجارية التي كتبها فوكوه والحاخام دريدا، فإنه يظهر للقارئ بشكل يجعله لا يثق في قدرة أركون ولا أنه فهم ما زعم فهمه من قضايا المعرفة ونقد اللاهوت ونظريات البنيوية وما بعدها([41])، ويعاني في عرضه للأقوال من عدم التوثيق أو القول الصحيح لما ينقل، إذ يقلب كل قضية قرآنية أو تفسيرية أو سياق لعلم حتى يفسد المعنى ويلويه إلى ما يريد كما مر معنا في مسألة كتابة القرآن، ومثال آخر يعرف الوحي بقوله: إنه يدعي بالتنزيل أي الهبوط من فوق إلى تحت"([42]).



##@##
معاني القرآن: ##@##
لو تجاوزنا قضية شكه في القرآن ورده للسنة من باب فماذا يفسر به القرآن وكيف يفهمه؟ إنه يقول: "إن القرآن –كما الأناجيل –ليس إلا مجازات عالية تتكلم عن الوضع البشري، إن هذه المجازات لا يمكن أن تكون قانوناً واضحاً، أما الوهم الكبير فهو اعتقاد الناس –اعتقاد الملايين –بإمكانية تحويل هذه التعابير المجازية إلى قانون شغال وفعال ومبادئ محدودة تطبق على كل الحالات وفي كل الظروف"([43]).
ويقول في موضع آخر:
"إن المعطيات الخارقة للطبيعة والحكايات الأسطورية القرآنية سوف تتلقى بصفتها تعابير أدبية، أي تعابير محورة عن مطامح ورؤى وعواطف حقيقية يمكن فقط للتحليل التاريخي السيولوجي والبسيكولوجي اللغوي –أن يعيها ويكشفهما"([44])
ويفصل أركون بين القرآن والشريعة، فالقرآن عنده خطاب مجازي يغذي التأمل والخيال والفكر والعمل ويغذي الرغبة في التصعيد والتجاوز، والمجتمعات البشرية لا تستطيع العيش طيلة حياتها على لغة المجاز"([45]) ولكن هناك البشر المحسوسون العائشون –كما يقول –في مجتمع وهناك أمورهم الحياتية المختلفة التي تتطلب نوعاً من التنظيم والضبط وهكذا تم إنجاز الشريعة([46]) ثم يعقب بأن هناك مجالاً أسطورياً مجازياً وهو مجال القرآن، ومجال آخر واقعي للناس هو مجال الشريعة ويقول: "إنه وهم كبير أن يتوقع الناس علاقة ما بين القرآن والشريعة التي هي القوانين الشرعية وأن المناخ الميثي (الأسطوري) الذي سيطر على الأجيال السابقة هو الذي أتاح تشييد ذلك الوهم الكبير، أي إمكانية المرور من إرادة الله المعبر عنها في الكتابات المقدسة إلى القوانين الفقهية (الشريعة) وحجته في ذلك ما يلي : في الواقع أن هناك أنواعاً مختلفة من الكلام (من الخطاب) وهناك فرق بين خطاب شعري أو ديني، وخطاب قانوني فقهي أو فلسفي، ولا يمكن لنا أن نمر من الخطابين الأولين إلى الخطابات الأخرى إلا بتعسف واعتباط"([47]) ألا ترى أنك يا أركون قد استطعت أن تمرق من الخطابين ؟!

##@##
مكانة السنة عنده: ##@##
ليس هذا مجالاً لمتابعة هذه الأقوال والرد عليها، فيكفي هنا التعريف بمعالم فكره بما فيها جرأته على الشك في ثبوت وصول القرآن إلينا، وجرأته على نفي الحديث والزعم بأن الظروف السياسية وأوضاع المجتمعات التي انتشر فيها الإسلام احتاجت إلى أحاديث وقال: "إن السنة كتبت متأخرة بعد موت الرسول- صلى الله عليه وسلم –بزمن طويل وهذا ولد خلافات لم يتجاوزها المسلمون حتى اليوم بين الطوائف الثلاث السنية والشيعية والخارجية، وصراع هذه الفرق الثلاث جعلهم يحتكرون الحديث ويسيطرون عليه لما للحديث من علاقة بالسلطة القائمة"([48]). وهو يرى أن الحديث هو جزء من التراث جعلهم يحتكرون الحديث ويسيطرون عليه لما للحديث من علاقة بالسلطة القائمة". وهو يرى أن الحديث هو جزء من التراث الذي يجب أن يخضع للدراسة النقدية الصارمة لكل الوثائق والمواد الموروثة كما يسميها([49])، ثم يقول:"وبالطبع فإن مسيرة التاريخ الأرضي وتنوع الشعوب التي اعتنقت الإسلام –قد خلقت حالات وأوضاعاً جديدة ومستحدثة لم تكن متوقعة أو منصوصاً عليها في القرآن ولا في الحديث، ولكي يتم دمجها وتمثلها في التراث فإنه لزم على المعنيين بالأمر أن يصدقوا عليها ويقدسوها إما بواسطة حديث للنبي، وإما بواسطة تقنيات المحاجة والقياس"([50]).
تلك هي مكانة الشريعة عنده وهذه مكانة أحاديث الرسول –صلى الله عليه وسلم –إذ لا يرى أي تشريع جاء به القرآن، وأن القرآن خطاب أدبي عاطفي لا علاقة له بالحياة، والشريعة ضرورة اجتماعية أملتها ظروف المجتمع وحاجة الناس، وهي في مجموعها تراث إذا قابلت في الطريق ثقافة مجتمع آخر أو استجد شيء فإن هذا الجديد يدمج في هذا التراث بواسطة حديث أو قياس، وهو يناقض نفسه تماماً، إذ لو لم تكن الشريعة من غير هذين المصدرين كأساس لما سعى المعنيون بالأمر –كما يسميهم –لفعل ما كذبه عليهم. وهذا مثال واحد كبير من الغث والانحراف والكفر الذي يملأ به كتبه، كله يناقض بعضه بعضاً، وكفاه زوراً أو جرأة على كتاب الله قوله: "وليس في وسع الباحثين أن يكتفوا اليوم في الواقع بالتكرار الورع للحقائق الموحى بها في الجزيرة العربية في القرن السادس والتي طرحت منذئذ على أنها بآن واحد مما يمكن تعريفه واستخدامه وأنها متعالية([51])" وهو يرى أن الباحثين –يعني نفسه ومن تابعه –(إذ حتى كبار الكفار من المستشرقين لم يحملوا على القرآن والسنة والأمة كالحملة التي يقودها أركون ولم يستطيعوا القول بكل هذه الافتراءات في آن واحد)- لا يسعهم تطبيق القرآن لأنه نزل في الجزيرة في ذلك الزمن القديم، وهو لا يرى نفسه وهو يقدس ويستسلم لبقايا قوانين الرومان، بل ويحاسب الإسلام على أفكار فوكوه هل تتطابق معها أم لا، ويقول في نفس الوقت بأن القرآن حقائق، وقد سبق أن قال إنه مجازات عالية وقد أجمع القائلون بالمجاز على أن كل مجاز يجوز نفيه ويكون نافيه صادقاً في نفس الأمر([52])، علماً بأن المجاز بالأسلوب الذي يريده أركون أبعد بكثير من المجاز الذي حدث فيه الخلاف بين المسلمين والذي قال فيه الشنقيطي إن وروده في القرآن غير صحيح ولا دليل يوجب الرجوع إليه من نقل ولا عقل، ونحن ننزه القرآن على أن نقول فيه مجاز بل نقول كله حقائق([53]).

##@##

ونقل الشنقيطي عن عدد من العلماء عدم جواز المجاز في اللغة أصلاً فضلاً عن القرآن، وهو –أي الشنقيطي –ممن يرى هذا، وأركون لا يرى أن آيات الأحكام هي المجاز، ولا آيات الصفات كما قال بعض السابقين المخالفين لأهل السنة، لكنه يرى كل القرآن مجازات عالية، ومرة يقول متعالية أي تكون بعيدة عن المجتمع سياسة واقتصاداً واجتماعاً، إنما تهذيب روحي لا علاقة له بالدنيا.

##@##
وليس هذا مكان الحديث عن المجاز ولا الخلاف فيه. لكن جاء بمناسبة خلط أركون وتناقضه، إذ يقول: القرآن حقائق نزلت قديماً ثم يرجع ويقول مجازات عالية. إن أركون يهدم كل شيء ولا يقيمك على سنن ولا يثق بأحد ولا بعلم أحد، فهو يسخر من كل من سبقه حتى يسخر من الطبري ومن طريقته في التفسير. ومادام قد اجترأ على كتاب الله وسنة رسوله كل هذه الجرأة فماذا يتوقع القارئ عن غيرها. وهناك جوانب عديدة يستنكرها كقضايا الثواب والعقاب والبعث بعد الموت([54]). ويرى في آيات القرآن التي تحدثت عن الجنة وثوابها سياقات شعرية، وأيضاً يرى رمزية العذاب.

@@#@@
خلاصة :
يرى أركون أن القرآن والكتب السابقة تعاني من سياق واحد، ويضع القرآن مع الأناجيل في مستوى من الثبوت والدراسة واحد، ويرى أهمية النقد والتجديد. وعمله هذا النقدي السلبي النافي –الذي يمسخ كل الحقائق وكل المعاني –لا يمكن بحال أن يكون مذهباً فكرياً بديلاً، بحيث يحل محل شيء من الفرق أو الجماعات التي وجدت على الساحة الإسلامية وليس بأسلوب يمكن قبوله من قبل السنة أو الشيعة، ذلك أنه يلغي الجميع ويرى العدمية([55]) التي يقدمها هي البديل أو التجديد، فالشك والجحود بكل شيء لن يكون أبداً بديلاً للإيمان، إذ هذا العدم لا يكون ديناً ولا يبني خلقاً، وهو يرى –مع هذا –ضرورة النظام في حياة الناس ويرى أهمية القوانين وهذه القوانين عنده تنشئها الضرورة الاجتماعية، لكن أي مجتمع وأية قوانين؟ أما المجتمع فلا يرى أركون أن يكون للإسلام سلطة عليه؛ لذا فليس للإسلام أن يسن أي قانون في ذلك المجتمع إذ ليس للإسلام في نظره أي قانون ولا علاقة بالوجود، وهو قد بذل وعصر كل سمومه وآفات الملحدين في الغرب لينكر المصادر أولاً ثم لو افترض إثباتها فليس لها حقائق ولا معاني تمس الناس، ثم إذا فهم منها معاني فتلك المعاني جاءت للحاجة والضرورة؛ لأنه لم يكن هناك قوانين في المجتمع. وقد علق أحدهم على نمط تفكير أركون وأسلوب تعامله مع النصوص فقال: إن تجديدية أركون هي تجديدية عدمية ولا نحسب أن مسلماً عاقلاً يهتم لقراءة أركون النافية وهذا ملخص لبحث مطول يتناول كتب ومقالات أركون، ومع أن أعماله غير معقولة لكن –ويا للأسف!- إن الذي يتحكم في سلوك وأفكار العالم الإسلام اليوم هو (اللامعقول) لهذا يحتاج إلى بيان)) انتهى كلام الأستاذ الأحمري –وفقه الله-.
وقال الدكتور أحمد إبراهيم خضر في مقال له بعنوان: (أبعاد التخريب العلماني: محمد أركون أنموذجاً) نشره في مجلة البيان (عدد123):
"بالأمس طلب خالد بن عبد الله القسري، أمير العراق الجعد بن درهم حتى ظفر به، فخطب بالناس في يوم الأضحى، وكان آخر ما قاله في خطبته: أيها الناس ضحوا، تقبّل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً ثم نزل فذبحه في أصل المنبر، فكان ضحية، ثم طفئت تلك البدعة فكانت كأنها حصاة رُمي بها([56])
واليوم.. المرعى الإسلامي غداً بابه مفتوحاً لكل (عرجاء) و(عوراء) لا يجزئ لحمها في الأضحية([57])
إنهم أهل التخريب العقدي، يحاربون الإسلام من داخله بإثارة شكوك المسلمين بما يؤمنون به، يهدفون عبر زعزعة الترابط العقدي تفكيك المجتمع الإسلامي برمته([58]) يصفون أنفسهم بأنهم علماء مجتهدون متفرغون لتطوير المعرفة([59]) ولا تخرج مقولاتهم عند كونها لوناً من ألوان (الرقاعة الثقافية) ([60]) يميزون أنفسهم عن المسلمين الآخرين (المقلدين)، أما هم فإنهم باحثون تحرروا مما أطلقوا عليه (المعارف الخاطئة) التي تعارف عليها كل المسلمين عن الإسلام، يدعون إلى العقلانية ويطالبون باتساع العقل وحرية البحث حتى في القضايا الدينية الحساسة التي ترتبط بما هو مقدس ولا يمس (كالوحي والقرآن والسنة)، يشجعون الإبداع الفكري الذي يصل عندهم إلى حد القول بأن الاعتقاد بأن الشريعة ذات أصل إلهي (وهم كبير) ([61]) ومع كل هذا الانحراف والضلال يطالبون الآخرين بالتسامح معهم والإقبال على مناظرتهم، وعدم الخلط بين العرض العلمي للقضايا ومواقف العوام، والتقيد بما يفرضه البرهان العقلي، يتهمون ما يسمى (بالخطاب الإسلامي) بأن خطاب ملئ بالنقائض والرذائل والثالب، يحمّل المفكرين (أمثالهم) ما لم يفكروا فيه،وما لم يدّعوه، وما لم ينطقوا به([62])
ماذا يريدون بالضبط؟

##@##

همهم الأول القضاء على الإيمان العقدي ومحوه من الأفق البشري: حتى لا يبقى هناك إلا الأفق الاجتماعي، يريدون منا أن ندخل تجربة الغرب التاريخية التي خاضها منذ أكثر من قرنين فتخلص من الأفق الديني القروسطي (نسبة إلى القرون الوسطى) .
لا يجهلون الإسلام وإنما يصرون على تحليله في ضوء النصرانية الكنسية والقرون الوسطى التي ارتبطت في أذهان الغرب بالتصور المظلم والمرعب عن الدين، أفقهم المعرفي لا يخرج عن حدود الفكر الغربي والثقافة الأوروبية، يتزلفون للغربيين حتى القسس منهم على حساب دينهم، ولهذا يضيقون ذرعاً بمطالبة الإسلاميين بخصوصية إسلامية وأصالة عقلية وعلمية مطلقة جعلتهم في غنى عما أبدعته انحرافات الفكر الغربي والبحث العلمي خارج دائرة المعارف الإسلامية المتأصلة في القرآن والمنطلقة منه، فراحوا يتصورون أن الإسلاميين كآباء الكنيسة يقتلون في الإنسان حس المبادرة والحركة ويدعون إلى الاستكانة والاستسلام ورفض الانخراط في العالم([63]) .
أهل السنة والجماعة في نظر أهل التخريب العقدي (أورثوذكسيون)
لأنهم يجمعون على عقيدة إسلامية صحيحة ومستقيمة، ويبرزون معايير التفرقة بينها وبين البدع والاعتقادات الطارئة المنحرفة عن الإسلام (والأورثوذكسية) أصلاً مصطلح غربي نقله أهل التخريب إلى العربية ولا يربطونه بالمذهب الأورثوذكسي في النصرانية، لأنه مصطلح سابق على ظهور هذا المذهب، لا يروق لهم المعنى الحرفي للكلمة (وهو الطريق المستقيم أو الطريق الصحيح) إنما يأخذون معناها الاصطلاحي وهو (النواة العقائدية الصلبة والمغلقة على ذاتها لدين ما، أو لإيديولوجية ما ، أو اتجاه سياسي ما، والتي ترفض كل ما يقع خارجها باعتبار أنه ضلال وهرطقة ) .
يقول أهل التخريب إنهم لم يستطيعوا ترجمة مفهوم (الأورثوذكسية) بكل أبعاده الأيديولوجية بالسنة؛ لأن أهل السنة والجماعة قد احتكروا المفهوم لصالحهم وعدلوا به عن معناه في القرآن([64]) ، ولم يعط أهل التخريب العقدي دليلاً واحداً مقنعاً يبين صحة تأويلاتهم الفاسدة الخارجة أصلاً عن حدود القرآن والسنة.
وحتى لا يتهم أهل التخريب العقدي بالكفر، سارعوا إلى وضع مفهوم جديد للإيمان والكفر فهموا من الإمام الغزالي أن الكفر هو تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء مما جاء به، والإيمان هو تصديقه في جميع ما جاء به، فاليهودي والنصراني كافران لتكذيبهما الرسول صلى الله عليه وسلم والبراهمي كافر بالطريقة الأولى لأنه أنكر مع رسولنا سائر المرسلين.
هذا الذي يتبنى مفهوم الغزالي عن الكفر ويطبقه على (العلماء المجتهدين) أمثالهم رجل مقلد بلغ درجة من العمي والتعصب في أحكامه؛ لأن الإيمان والكفر في فلسفة أهل التخريب العقدي مرتبطان بالبحوث النفسانية واللغوية عن تكوين البنية الشخصية والجماعية التي ينشأ فيها كل فرد. ولم يكتف أهل التخريب العقدي بذلك بل ألقوا مسائل الحلال والحرام والمقدس والقصص الديني في أحضان العلوم الحديثة (علوم الإنسان والمجتمع) ([65]) التي تعطي لها تفسيراً خاصاً يخرج بها كلية عن ارتباطاتها العقدية. ومن المسلّم به في العلوم الاجتماعية أن نظرياتها التقليدية ترى أن الأفكار الدينية زيف ووهم، أما نظرياتها الحديثة فتتجنب مسألة حقيقة الدين، لكنها تغذي هذه التحليلات التي تحقر من أي رؤية جدية للأفكار الدينية وتنظر إليها على أنها غير حقيقية([66])

##@##
موقفهم من خاصية ثبات الأصول: ##@##
واجهت أهل التخريب العقدي مشكلة النظرة العقلية المستمرة والمتكررة التي ترى وجود إسلام صحيح يتطابق مع مفهوم الدين الحق لمكافحة البدع والرد على أهل الأهواء والنحل، وإبطال الملل الضالة المضلة، وإبعاد أو إخضاع جميع المنحرفين عن الصراط المستقيم والحق المبين فقالوا إن الإجماع بأن هناك إسلاماً جوهرياً لا يقبل التغير ولا يخضع (للتاريخانية) ([67]) هو كالأقنوم الإلهي يؤثر في الأذهان والمجتمعات ولا يتأثر بها ليس إلا تحجراً عقلياً وتطرفاً وتعصباً وإرهاباً، ودعوا إلى العدول عن هذه النظرة التقليدية والإقرار بضرورة التعددية العقائدية، ويسوّغون دعواهم الضالة والمضلة بأن النصوص القرآنية قد ألهمت ولا تزال تلهم (تأويلات) بتغير الزمان والمكان([68]) .

##@##
يؤمن أهل السنة والجماعة بأن التأويل الذي دلت عليه النصوص وجاءت به السنة ويطابقها هو التأويل الصحيح، والتأويل الذي يخالف ما دلت عليه النصوص وما جاءت به هو التأويل الفاسد، وكل تأويل وافق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو المقبول وما خالفه فهو المردود، لكن أهل التخريب العقدي بعد أن طرحوا بعيداً ربط الكفر بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم ردوا السنة برمتها إلى دائرة (البحث التاريخي) ([69]) وسعوا إلى إعادة قراءة النصوص الدينية تلك التي أسموها بالنصوص التأسيسية أو النص الأول (القرآن) والنصوص الثانية (السنة وغيرها) في ضوء العلوم الحديثة.
والتأويل عند أهل التخريب العقدي لا يخرج عما يقوله عنهم (ابن القيم) من أنه (استخراج معاني النصوص وصرفها عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات ومستنكر التأويلات، فأدى بهم هذا الظن الفاسد إلى نبذ الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وراء ظهورهم، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف والكذب عليهم وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف. (والتأويل) إذا تضمن تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم فحسبه ذلك بطلاناً) وتأويلات أهل التخريب العقدي من هذا الطراز([70]) .

##القطعية المعرفية ماذا تعني؟

خرج علينا أهل التخريب العقدي بمصطلح جديد أسموه (القطعية المعرفية) ومن المعروف عنهم أنهم لا يأتون بجديد، وإنما يستخرجون أفكارهم بعد أن يدخلوا جحر كل ضب دخله قبلهم المفكرون الغربيون ثم يلوكون هذه الأفكار ويطبقونها على الإسلام.
ومصطلح (القطعية المعرفية) طرحه أصلاً المفكر الإيطالي (فيكو) وكتب فيه الأمريكي (توماس كون) وعالم الرضيات الفرنسي (رينيه توم) تناول كل هؤلاء مسألة القطعية في تاريخ العلوم وكيفية تفسيرها متى تحدث القطعية في فكر ما؟ ما هي الشروط الموضوعية التي ينبغي توافرها لكي تحصل القطعية؟ أي : لكي يتوقف الناس فجأة عن التفكير بالطريقة التي كانوا يفكرون بها سابقاً منذ مئات السنين ولأن الحقد والغل يملأ قلوب أهل التخريب العقدي على الإسلام طبقوا هذا المفهوم على الإسلام، فدعوا إلى التوقف عن التفكير في الإسلام بالطريقة التي يؤمن بها الناس حالياً والتفكير فيه بطريقتهم التدميرية.
ويدعونا أهل التخريب العقدي إلى أن ندرك معنى القطعية المعرفية، أي أن نتخلى عن معارفنا التقليدية عن الإسلام التي يصفونها بأنها معارف (خاطئة أسطورية ذات معاني خيالية) وأن نفكر بالطريقة التي فكر بها الأوروبيون منذ القرن السادس عشر فنغير مثلهم نظرة العقل إلى المعرفة وطرق إدراكه للواقع وتعبيره عن تأويلاته لهذا الواقع.


##
هل نحن بحاجة إلى الفلسفة؟

وعبر إصرارهم المستميت على تخريب عقيدة الإسلام يزرعون الألغام الواحد تلو الآخر فتجدهم يدعون إلى الانفصال بين الحكمة والشريعة ويفسرون الحكمة بأنها (الفكر العلمي) ويسمون الشريعة (بالظاهرة الدينية) ([71]) مع أن الحكمة تعني العلم والفقه والمعرفة بالقرآن وخشية الله والفهم والبصر والعقل، كما جاء ذلك عن ابن عباس ومجاهد وابن مسعود وزيد بن أسلم وذلك في تفسير قوله تعالى (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب)[البقرة: 269] وقوله تعالى (ولقد آتينا لقمان الحكمة) [لقمان: 12] ([72]) وتارة أخرى ينظرون إلى الحق على أنه خاضع (للتاريخانية) بمعنى أن وجوده ومظاهره تتغير بتغير نظرة العقل إليه كما يتغير العقل بدوره بتغير النتائج ووجوه الحق التي يستبينها ويتعقلها، كما يتبنون وظيفة الفلسفة لتسويغ الموجودات والأحكام إلى العقل في كل الممارسات والمعالجات بما في ذلك إثارة مسائل وقضايا ومواقف معرفية ما كان التفكير فيها ممكناً بل كان مستحيلاً، ولذلك تجدهم يرجعون انتشار المدّ الإسلامي إلى غياب الفلسفة إلا في غيبة نور الوحي الإلهي، أو في حالة خفوته أو في حالة جهل الناس بحقيقتها وجهلهم بالمنهج النبوي على وجهه الصحيح، وتملك الفلسفة القدرة على التلبيس بما تملكه من أدوات فهي تتزين بزي العقل حيناً وبزي العلم حيناً آخر، وتملأ الفراغ المخيف الذي تتركه غيبة الهداية الإلهية عن العقول([73]).
وبينما اشتهر أهل التخريب العقدي في مصر وسوريا باستخدام مصطلحات (نقد الخطاب الديني) و(نقد الفكر الديني)، استخدم نظراؤهم المستوطنون في دول الغرب مصطلح: (نقد العقل الإسلامي).


يُعَرّف أهل التخريب العقدي (العقل الإسلامي) بأنه هذا العقل المتقيد بالوحي أو المعطى المنـزل ويقر بأولوية المعطى لأنه إلهي وأن دور العقل ينحصر في خدمة الوحي أي فهم وتفهيم ما ورد فيه من أحكام وتعاليم وإرشاد، ثم الاستنتاج والاستنباط منه، فالعقل تابع وليس بمتبوع اللهم إلا بالقدر الذي يسمح به اجتهاده المصيب بفهم وتفهيم الوحي.
لا يقر أهل التخريب العقدي بذلك ويصبون كل انتقاداتهم على علاقة العقل بالمعطى المنـزل وعلى رضاه بأن يبقى دائماً في الدرجة الثانية أي في حدود الخادم دون أن يجرؤ أبداً على مبادرة أو سؤال أو تأويل لا يسمح به الوحي المحيط بكل شيء، بينما العقل لا يدرك شيئاً إدراكاً صحيحاً إلا إذا اعتمد على الوحي المبين([74]) .
إنه ما عصي الله بشيء إلا أفسده على صاحبه ومن أعظم معصية العقل إعراضه كتاب الله وروحيه فأي فساد أعظم من فساد هذا العقل؟ إن علم الأنبياء وما جاؤوا به عن الله لا يمكن أن يدرك بالعقل ولا يكتسب وإنما هو وحي أوحاه الله إليهم بواسطة الملك أو كلام يكلم به رسوله منه إليه بغير واسطة كما كلم موسى وهذا متفق عليه بين جميع أهل الملل المقرين بالنبوة المصدقين الرسل ولا يخالفهم في ذلك إلا جهلة الفلاسفة وسفلتهم، ولكن أهل التخريب العقدي يريدون أن يعكسوا شرعة الله وحكمته فإن الله سبحانه جعل الوحي إماماً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ظرة شرعية في فكر الدكتور محمد أركون بقلم الأستاذ سليمان بن صالح الخراشي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» شيءٌ من أقوال الزنديق ( محمد أركون ) عامله الله بما يستحق بقلم الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي
» محمد أركون: قراءه نقديه لافكاره ... بقلم: د.صبرى محمد خليل
» محمد أركون يشكو إساءة الفهم وينتقد محمد عابد الجابري
» كتب المفكرر محمد أركون ..
» محمد أركون ومشروعه النقدي!

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الابداع العربي :: منتدى التعليم العالي :: شعبة الدراسات الاسلامية :: منتدى البحث الجامعي-
انتقل الى: