نظم مركز "دراسات"- المركز العربي للحقوق والسياسات بالتعاون مع مركز أبحاث المثلث في جمعية الزهراوي، يوم الجمعة الماضي، ندوة فكرية حول المفكر العربي الراحل محمد عابد الجابري، بعنوان "الجابري: أسئلة التراث، النهضة والمعرفة". وقد أقيمت الندوة في مقر مركز أبحاث المثلث في كفر قرع بمشاركة العشرات من الحضور.
افتتح الندوة وأدارها د. محمد مصالحة، ورحب د. إبراهيم يحيى من جمعية الزهراوي بالحضور وأكد على أهمية الندوة التي تحتفي بمفكر عربي بارز في الثقافة العربية المعاصرة. وقال د. يوسف جبارين مدير مركز "دراسات" في كلمته إن هذا اللقاء المتميز يناقش إسهامات مفكر عربي بقامة الجابري من باب أهمية التفاعل مع الفضاء الفكري والثقافي العربي العام والاستفادة من الإسهامات الفكرية الرائدة في العالم العربي وفي واقعنا الآني على جميع الصعد.
تنظيم التراث من أجل النهضة
وقدم الباحث مهند مصطفى من مركز "دراسات" المداخلة الأولى التي تطرقت إلى السياق الثقافي والسياسي في شمال أفريقيا ذلك السياق الذي نما فيه الجابري الرجل والفكر. واستند مصطفى في مداخلته على رسالته للدكتوراه في العلوم السياسية والتي وتناولت في جزء منها مشروع الإصلاح في شمال أفريقيا، موضحًا ميزات مشروع الإصلاح في المغرب العربي، لا سيما تطوّر الحركة السلفية الإصلاحية في مدارس الفكر مثل جامع الزيتونة في تونس وجامعة أم القرى في المغرب.
ونوّه الباحث إلى أنّ المناخ الإصلاحي والحداثي الذي ساد في المغرب العربي تأثر أيضًا بصدمة الكولونيالية ليشكّل الأرضية الثقافية والفكرية التي جاء منها الجابري في مشروعه لقراءة التراث، لأن السؤال الذي كان يشغل حركة الإصلاح في المغرب العربي كان سؤال النهضة، وكان المشروع الإصلاحي يبحث في هذا السؤال من خلال العودة إلى التراث ليس بهدف التقوقع فيه بل أيضا بهدف تنظيمه والانطلاق منه إلى المستقبل.
منظومات المعرفة وواقعنا التربوي
قدم المداخلة الثانية د. أيمن كامل اغبارية، المحاضر في قسم السياسات التربوية والقيادة في جامعة حيفا، فتحدث عن فكر الجابري النقدي في قراءته للتراث، وقد استند اغبارية في مداخلته على كتاب "بنية العقل العربي" للجابري حول منظومات المعرفة في الثقافة العربية وهي البرهان، البيان والعرفان. وقد أشار اغبارية إلى المساهمة الكبيرة التي جاء بها الجابري في قراءته للتراث، وذلك رغم النقد الذي تعرّض له الرجل. كما أشار إلى أهمية الاستفادة من المنظومات المعرفية الثلاث في واقعنا المعاصر، حيث تشكّل هذه المنظومات أدوات للمعرفة والتفكير والنقد، لا سيما في مجال التربية والتعليم، حيث يمكن أن تشكل مساهمات نظرية هامة.
قطيعة المشرق والمغرب.. أحقًا؟
أما المداخلة الثالثة فقدّمها د. أحمد اغبارية المحاضر في كلية القاسمي، حول القطيعة المعرفية عند الجابري في قراءته للتراث. وقدم شرحا حول منظومات المعرفة التي قام الجابري بتصنيفها. ثم قدم نقدًا فلسفيًا لهذه المنظومات وللأدوات البحثية التي يستعملها الجابري في دراسته وتعاطيه مع التراث. وبيّن الإشكاليات الفلسفية في قراءة الجابري للنصوص التراثية، موضحًا أن الجابري ادعى بوجود قطيعة معرفية بين المشرق العربي والمغرب العربي. لكن د. اغبارية اعتبر أن هناك ثقافتين متميزتين في المشرق والمغرب لكن لا يمكن الحديث عن قطيعة معرفية بينهما، ذلك أنّ تفاوت الإنتاج الفكري بين مناطق وجماعات لا يعني القطيعة بينها.
وقد قام مركز "دراسات" بتكريم احمد اغبارية بمناسبة حصوله على لقب الدكتوراه بدرجة امتياز من قسم الفلسفة في جامعة حيفا.
وفي نهاية اللقاء قدم المشاركون مداخلات قيمة أسهمت في إثراء النقاش حول الموضوع. يذكر أن الجابري المفكر العربي المغربي المعروف قد رحل مطلع أيار الجاري عن عمر ناهز 74 عاما تاركًا وراءه إنتاجًا فكريًا ضخمًا أثرى الفكر والثقافة العربيين بشكل كبير.
ويعتبر مشروع نقد العقل العربي أهم إنتاج الجابري الفكري وهو مشروع مكوّن من خمسة كتب: نحن والتراث؛ تكوين العقل العربي؛ بنية العقل العربي؛ العقل السياسي العربي؛ والعقل الأخلاقي العربي.
